الأربعاء، 1 مارس 2017

عودة.......بقلم ناهد الغزالي

عودة...
دكن حقيبته بعناية، حدق في أركان المنزل كأنه يلجه لأول مرة، رسم قبلة على جبين أمه، أوهموه بالجنة، تاق فؤاده للسعادة الأزلية، هرول نحو المحطة وصدى صوت والدته يدفعه للسير بسرعة أكثر،
"حفظك الله يا ولدي ورزقك السعادة"
رد في نفسه بثقة عميقة:
"السعادة أماه هناك" مشيرا إلى السماء
تعثر في حجر في طريقه، استغفر وواصل سيره، فوجئ بشجرة الياسمين المتدلية من حائط الجيران، "أول مرة ألمحها، هل هي نبتة عجيبة تنمو بسرعة أم عيناي لا تبصر الجمال" مد يده ليقطف بعض الزهرات وسرعان ما تجمدت قبل أن تلمس الزهرة، إن ما يفعله لا يجوز. التفت وراءه، ملقيا نظرة أخيرة على أرض طفولته، مستنشقا عطر الصبا، تقدم جسده وظلت روحه تعانق ضحكات أصحابه وهمس أخته الصغرى، ترتمي في حضن والدته.
لكن السعادة التي وعده  بها ذلك الرجل تقترب منه، هذا ما ردده في حنايا الروح، خفق قلبه بشدة صعد سيارة فخمة، كان ذلك الرجل"الوقور" يودعه مفاتيح السعادة، بعد ساعات، وقف الشاب عند بوابة السوق... المكان يعج بالناس، إنهم يستعدون لقدوم العيد، بينه وبين السعادة زرا، ارتعشت يده اليمنى، مسح العرق بيده اليسرى، صوت تلك الفتاة لا يغادر مخيلته" أرجوك لا تشوه الدين، لو كان ما يدعيه صحيحا لكان هو أول الواقفين على عتبة السعادة، لقد اختطفني وأجبرني على العيش هنا وعدد الضحايا مثلي ومثلك في ازدياد" أبعد يده عن الحزام، شاهد صديق الطفولة يتقدم نحوه، "لم أقابله منذ ثلاث سنوات، لماذا أراه هذا اليوم بالتحديد..."
"سعيد مابك شارد الذهن، متسمرا في نفس المكان؟ بحثت عنك والدتك كثيرا، اتصلت بك لكن هاتفك مغلق، لقد أتت معي إلى المدينة لشراء دواء لوالدك الذي أصابه شللا، ثم مررنا إلى السوق لاقتناء ملابس العيد لإخوتك،"
كان صديقه يحادثه وهو متجمدا مترددا، ثم ضغط على الزر، تعالى الصراخ، سالت الدماء، علا رنين المنبه، انتفض من مكانه مناديا بصوت عال:
"أحبك يا أمي، أحب أصدقائي، أحب... وأجهش بالبكاء، جاثيا على ركبتيه، باترا ذلك الصدى الذي استوطن تفكيره في الفترة الأخيرة، واعدا نفسه بكسر جدار العزلة وقطع علاقته بتلك المجموعة التي توزع السعادة...
ناهد الغزالي/تونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق