السبت، 28 مايو 2016

المقدّس والمدنّس في قصيدة : إمام للدكتور عدنان بن جيلالي قراءة في النص الغائب إمَام.....بقلم شاهين دواجي /



المقدّس والمدنّس في قصيدة : إمام للدكتور عدنان بن جيلالي 
قراءة في النص الغائب 
إمَام
----------
صَمْتاً .. ولا تَحْتجِبِي .. وافْتحِي
البابُ مَخْلوقٌ لكيْ نفْتَحَهْ
أَغافِلٌ بَعْلُكِ ؟ يا ليْتَهُ ..
لِي نزْوةٌ عندكِ .. لِي مَصْلَحَهْ
لَعَمْرَكِ اللهَ اْذَنِي لِي .. كما
مِئذنةٌ تدعو إلَى مَفْلَحَهْ
وَيْكَ ! إمامُ الحيِّ .. يا ما أرى
مِقْصلَةٌ لِحْيَتُهُ .. مَذْبَحَهْ
قلْتُ افْتحِي .. هذا جُنون الهوَى
ليس بوُسْعي الآنَ أن أشْرَحَهْ
رَبَّاهُ .. كُفِّي وافْهمِي مَأرَبِي
ما أوْضحَ الجِنْسَ وما أوْضحَهْ
وَيْلَكَ .. يا حسْناءُ قلْتُ افْتحِي
تاللهِ .. بابَ الدَّارِ لنْ أبْرَحَهْ
لسْتُ منَ الإرهابِ يا جارتِي
لا سيْفَ واللهِ .. ولا أسْلِحَهْ
تَحْت قَميصي انْفعلَتْ شهْوةٌ
لَها عيونٌ .. ولَها أجْنحَهْ
مِن قبْضة الدِّين أنا هارِبٌ
وهارِبٌ من قبْضة الأضْرِحَهْ
مِنْ فِقْهِ أحْكام الْمَراحيضِ .. مِنْ 
أدْعيةٍ تَدُور كالمِرْوَحَهْ
مِن نُسُك اليومِ .. ورُوْتينِها
مِنْ دوَران اللهِ فِي المِسْبَحَهْ
باللهِ .. هذا الفمُ يا ليْتنَِي
من شُعراء الحبِّ كي أمْدحَهْ
فقبِّلينِي .. تنْعَدِمْ عُجْمَتِي
الفمُ بالتقْبيلِ ما أفْصَحَهْ
عيْناكِ تَحْلُمانِ بِي .. فاحْلُمي
وحُلْمُ هذا النَّهْدِ أن أسْفَحَهْ
يُريد أن أجْرحَهُ أوَّلاً
وثانياً، يُريد أن أمْسَحَهْ
يُرى بِشَمْسِ العيْنِ خيْرٌ لهُ
منْ نَتَنِ العُتْمة .. ما أكْسَحَهْ !
النَّهْدُ كالصَّحراء يا نَخْلَتِي
يُحبُّ شَمْسَ اللهِ أن تلْفَحَهْ
أنا فَقِيهُ العشْق فاسْتفْتِنِي
لَمْسِي حلالٌ .. ويدي مُفْرِحَهْ
فما ( صحيحُ مُسْلِمٍ ) .. إنَّنِي
مَنْ كتَبَ ( الصَّحيحَ ) .. مَنْ صحَّحَهْ
وقْتُ صلاةِ الفجْر لِي داهِمٌ ..
وأنتِ بابُ البابِ .. مُسْتوْضِحَهْ ؟
أسْتغفِرُ اللهَ .. انْصَرِفْ، وانْخسِفْ
مِثْلُكَ كمْ نَحتاجُ كي نفْضحَهْ
نَهْدٌ شريفٌ يا إمامَ الْخنَى
خسرْتَ إسْلاماً لكي ترْبَحَهْ 
----------
محمَّد عدلان.

- تحدّت قبل يومين عن (المدنّس )في العمل الإبداعي وعلى وجه التحديد تحدثت عن رمزية "الجنس " وذكرت أنّ هذا الرّمز وما يدور في فلكه من الطّابوهات لايكون ٌإقحامه في النص " فنيّاً مبرّراً إلا تعدى حرفيّته ،وضربت بعدها مثالين عن استخدام الجنس في العمل الأبداعي إعتقدت أنهما الأقرب الى القبول من طرف القارئ الكريم ، لكنني بعد هذا أصبت بالحسرة بعد أن وقع بين يديّ – صدفةً- نصّ أخي الدكتور عدلان بن جيلالي لأنني خلصت إلى أنّنه الأنسب للتّدليل على ما قرّرته في بحثي عن الجنس لسببين :
- أولهما : شغفي بنصوص الشباب الصاعد ومحاولة تشجيعهم فبينهم كتّاب رائعون .
- وثانيهما جمالية النصّ نفسه .
- ولم أستسلم لحسرتي وانتويت أن أقدم قراءة لهذا النصّ الباذخ أعتبرها تكملة لبحثي عن مصطلح الجنس . حيث أجمع في هذه القراءة بين البحث عن الدلالة والأحتجاج للأطروحة التّي قدمتها عن الجنس في العمل الإبداعي .
- أقول :
- النص الذي بين يدينا من الشعر العمودي التقليدي ولكنّ التشكيل والتناول فيه حديثان ، من حيث تضمّنه لدلالات غائبةٍ غيابا كلّيًّا لايمكن الوصول الى بعضها إلّا بشقّ الأنفس ،فهذا النّصّ يمثّل بحقٍّ قصّة النص الغائب الّذي تعتبره الحداثة أحد أهمّ معايير الجمالية .
- هذا النّص أيضاً يمثّل أجمل مثال عملي لاستخدام المدنّس في العمل الإبداعي من خلال التوظيف الذّكيّ للجنس الذي رأينا فيه شطحا كثيرًا من كتابنا المحدثين .
- هذا النص أيضا يمثّل أنموذجا جميلا في " اغتصاب " الشّعريّ" لـ : " السّرديّ" بعيداً عن المباشرة الفجّة التي تثقل كاهل الأسماع .
1/- النص الحاضر :
- يمثّل النص حادثةً طريفة حين يحاول شاب ممارسة الفاحشة مع زوجة الإمام الغائب عن البيت لأداء فرضة الصّبح ... والظاهر أن هذا الشاب على معرفة سابقة بهذه الأنثى فلا يعقل أن يطلب من الأنثى ممارسة الفاحشة من أول لقاء ؟.....ثمّ يصف الشاعر تمنّع الأنثى كعادة حوّاء ويصف توسّله إليها وشرحه لمعاناته تحت وطأة الشهوة العارمة .... ويظلّ المسكين متوسلا مبرّرا حتى يقرع أذنيه آذان الصّبح فيعود بالخيبات الثقيلة وقد حُرم المراد ....
- هذه هي قصة "عدلان "كما رواها .
2/- النّص الغائب :
- طالما وصفت الدكتور عدلان بالشّاعر الماكر والمشعوذ ... ذلك أنّه يجد " لذّةً" في تعذيب قرّائه وإخفاء دلالات نصوصه ... وحين قرأت هذا النّص وأعدت القراءة .. أحسست شيئا من هذا فلايمكن أن يكتب الدكتور نصّا لمجرّد أن يروي لنا مغامرة فاشلة مع أنثى ؟ .... فقد تعثّرت في طريقي ألى هذا النص بعلامات أكّدت لي صدق حدسي حيث أن النّص مليء بإشارات تحيل على مكانات بعيدة كما سيأتي .
- العنوان :
- اختار الشاعر لنصه لفظة " إمام " كعنوان ، وهي من النّاحية النحوية لفظ نكرة يحيل على "غير المعيّن " ، أي ينسحب على كل من امتهن الإمامة كما يقول أهل الأصول عن النكرة ،ومن النّاحية الدلالية فلفظة " إمام " تحيل على رمزية متجذّرة في الذّاكرة الدينية الأسلامية فهي رمز التقوى والورع والوقار والعلم و....
- واختيار الشّاعر زوج الإمام لتلبية شهوته بل والإلحاح فيها ليس مجرد اعتباط كما بيّنّاه في النّص الحاضر فمجموع علامات هذا التشكيل الشّعري يوحي بأنّ الشاعر ينتقد العقلية الدّينية السائدة في زمانه هذه العقلية التي تنماز بالتّطرّف والتّزمّت والحرفية في قراءة النّصوص ويريد النّيل منها وتفكيك منظومتها في الواقع المعيش فرمّز إرادته هذه برمز ممارسة الفاحشة مع زوج الإمام رمز السلطة الدينية ... فنحن هنا أمام حدث واقعي ومعادله الموضوعي :
- إمام الخنى ـــــــــــــ السلطة الدينية الجاهلة .
- تفكيك منظومة الجهل الديني ــــــــــــ ممارسة الجنس .
- وهذا الذي فعله العبقري " الطيب صالح " في( موسم الهجرة نحو الشّمال ) حين رمز لأهليته - كعربيّ أسود موصوف بالهمجية - بالأندماج ضمن الحضارة الأوروبية بممارسة الفاحشة على الحسان من الأوروبيات وقتلهنّ في النهاية وكأن لسان حاله يقول : هاهو العربي الهمجي يغزوكم في عقر داركم ويمارس الفحش على بناتكم ... هذا ينضاف له ما للعرض من أهمّية في الذاكرة العربيّة فقد أقيمت من أجله الحروب .
- يعضد ماقلته قبل قليل إشارات أخرى... حين يكون الشّاعر تحت وطأة الشهوة مجبرا على الحكي والتّبرير : 
*مِن قبْضة الدِّين أنا هارِبٌ..
- هنا محذوف مقدّر أي هاربٌ من الدين المتزمّت ..
*وهارِبٌ من قبْضة الأضْرِحَهْ..
- وما تمثّله الأضرحة من خرافات وتغييب للعقل الأنساني .
*مِنْ فِقْهِ أحْكام الْمَراحيضِ .. 
- حين أصبحت النخبة تهتمّ بالجزئيات والهنات وتتوه عن النوازل الكبرى التي هي مصير الأمة .
*مِن نُسُك اليومِ .. ورُوْتينِها
- حين تستحيل العبادة من علاقة روحانيّة مشرقة بين العبد وخالقه إلى مجرّد عادة لاتصلح نفسا ولا تقوّم عوارا .
* مِنْ دوَران اللهِ فِي المِسْبَحَهْ
- حين تصبح العبادة طقوسًا شكلية الهدف منها كسب ودّالخلق والثنائهم . 
- وتستمر معاناة هذا الشاعر مع فاسدي التّصور الى المساس بالمصادر الأصليّة للأمّة :
* فما ( صحيحُ مُسْلِمٍ ) .. إنَّنِي 
* مَنْ كتَبَ ( الصَّحيحَ ) .. مَنْ صحَّحَهْ

- حين تلوى أعناق " الآي " والأحاديث المشرّفة من أجل عيون فلان ومصالح علّان .
- هذا الذي أراد الشاعر أن ينقضه من الأساس ويفكّك منظومته ورمّز له بممارسة الفاحشة مع أنثى الإمام : فساد التّصور العقلي في الدين ، ولعلّ الشاعر أراد أن يذكرنا في الأخير بمراميه فنراه يقدم على وصف الأمام بـ:" إمام الخنى " وهذه إشارة بارعة عن المنتسب للدّين الذي يبيع دينه بدنياه .
من الجهة الأخرى نجد أنّ الشّاعر يطلب من زوج الإمام مايطلبه كلّذكر من الأنثى : قبل / أحضان / وكل مايمتّ للمتعة مع الأنثى بصلة .... وهذه أيضا إشارة من الشّاعر ألى أن التديّن ليس نقيضا للمتعة بل هو من صميمها فليس من التديّن أطفاء أنوار التمتع بما أسداه الخالق لعباده منّا بل وأمرهم بالتّحديث به " وأمّا بنعمة ربّك فحدث " وفي الحديث " حبّب اليّ من دنياكم ثلاث ....." الحديث .
الخلاصة : هذا النّصّ من النوع "المقلق المستفزّ" الذي يحيل على المساحات البعيدة ، حيث أقام الدكتور عدلان جدلا بين "المقدس" و"المدنس " فقدّم لنا قصّة الشّهوة البهيمية حين تسيطر على الذّات وبمكره أنتهى الى شيء أشبه بالتّحليل السوسيولوجي لظاهرة التّدين في مجتمعاتنا الشرقية وهذا نضيفه إلى حساب الشاعرالفنّي .... تمامًا كما فعل درويش في رائعته " شتاء ريتا الطّويل " حين بدأ بصورة لعاشقين على سرير الشهوة وانتهى بنا الى نقد وتحليل سياسي لإتفاقية " أوسلو " وما انجرّ عنها من خيبات .
شاهين دواجي / الجزائر

هناك تعليق واحد:

  1. أشْهد أنَّكَ استطعتَ أن تسْتبِرَ دُخيْلاءَ قصيدتِي: (إمام) بكلِّ احترافيَّةٍ، ومهارةٍ، وفراسةٍ نقديَّة .. وأشْهد أنَّكَ أنَرْتَ بعضاً من غُرَف هذه العمارةِ القديْمة (2005م) .. وأنَّكَ قرأتَنِي فِي هذا النصِّ كما يقرأ البحرُ زُرْقة السَّماء ...
    ولِمَ الشَّهادةُ ؟ فهذه القصيدةُ لَمْ تَعُدْ قصيدتِي مذْ غادرَتْ أصابعي .. هي (قصيدتُكَ) أنتَ، ولكَ أن تفْعل بِها ما تشاء .. وأمَّا أنا فلْمْ أعُدْ أملكُ منها إلاَّ بصْمةَ الإصْبَع.
    فقط يا صديقيَ الحبيب، أحبُّ أن انْبُهَكَ إلى أمريْن اثنيْن:
    - ترْوي هذه القصيدةُ قصَّةً (واقعيَّةً) لإمام بعيْنِه أقْدم على التحرُّش الجنسيِّ بجارته قُبَيْل صلاة الفجر.
    - إسْمي الكامل هو: بن جيلالي محمَّد عدلان. ولكَ بالمناسبة أن تطَّلع على حوارٍ أجْرتْه معي صحيفة المثقَّف الإلكترونيَّة بشأن هذه القصيدة: نص وحوار مع الشاعر د. محمّد عدلان بن جيلالي ونصه "إمام"
    ميادة ابو شنب: http://almothaqaf.com/index.php/text-hewar/899200.html
    قُبَّعتِي وانحناءاتِي ...
    ودُمْتَ لِي عُضْدَ كتابة ... أيُّها الشَّاعر المفْلق .. الناقد العميق: الأستاذ شاهين دواجي. محبَّتي الطافحة.

    ردحذف